الجمعة، 21 أكتوبر 2022

نظرية الغباء


جادل ديتريخ بونهوفر بأن الأغبياء أخطر من الأشرار. هذا لأنه بينما يمكننا الاحتجاج ضد الأشرار أو محاربتهم، فنحن عزّل أمام الأغبياء – فالعقلانية تجابه آذاناً ميتة. قمنا بتحرير نص بونهوفر لهذا الفيديو مع بعض التعديل البسيط، لكي يخدم أي مجتمع حر في التحذير مما يمكن أن يحدث عندما يكتسب بعض الأشخاص قدرًا كبيرًا من القوة.

المقال:

في أكثر فترات ألمانيا ظلامية بعد الحرب العالمية الأولى وببداية عقد الثلاثينات حين انتشرت الفوضى والفقر، وفي الوقت الذي ألقى به الغوغاء المُحرَّضون الحجارة على المحلات التجارية، واعتدوا على النساء والأطفال الأبرياء أمام الملأ، بدأ ديتريخ بونهوفر، القس الألماني الشاب، الكلام ضد هذه الفظائع.



وبعد سنوات من النضال لتغيير آراء الناس، عاد بونهوفر ذات مساء إلى بيته، ليخبره أباه أن شخصين ينتظرانه. لقد كانا من الغيستابو الألماني، الذراع البوليسية الحديدية لنظام النازية في ذلك الوقت. فتم اعتقال بونهوفر عام 1943.

في السجن بدأ بونهوفر يفكر كيف تحول بلده من بلد المفكرين والشعراء إلى يد مجموعة من الجبناء والمحتالين والمجرمين. وقد خلص بالنهاية إلى أن الجذر الحقيقي للمشكلة لم يكن الرغبة بممارسة الشر بل كان الغباء.

رسائل بونهوفر

في رسائله الشهيرة من السجن قال بونهوفر إن الغباء عدو أخطر بكثير على الخير من الرغبة بممارسة الشر، لأنه “بينما يمكن للمرء أن يحتج على الشر، أن يفضحه، أن يمنع حدوثه؛ لكن أمام الغباء فنحن عزَّل بلا سلاح. فلا الاحتجاجات ولا استخدام القوة يحقق أي شيء هنا. العقلانية تصطدم بآذان صماء.”



عندما تناقض الحقائق الأحكام مسبقة الصنع عند الشخص الغبي، فلن يتم تصديقها. وعندما لا يمكن دحض هذه الحقائق يجري رميها جانبا بادعاء أنها غير منطقية وظرفية. في كامل هذه العملية يشعر الشخص الغبي بالرضا عن نفسه، لكنه يكون أيضا سريع الغضب، بل وخطيراً.



لهذا السبب عند التعامل مع شخص غبي يجب توخي الحذر أكثر منه عند التعامل مع شخص يريد الشر. إن أردنا معرفة كيف نتغلب على الغباء، فعلينا أن نحاول فهم طبيعة الغباء.

من المؤكد أن الغباء بجوهره ليس عيبا فكريا بل هو عيب أخلاقي. هناك كائنات بشرية يتمتعون بمرونة فكرية لكنهم أغبياء، وهناك آخرون يبدون مملين فكريا، لكنهم ليسوا أغبياء.

الانطباع العام هو أن الغباء ليس عيبا فطرياً أو خَلقياً، لكن في ظروف معينة يتم جعل الناس أغبياء، أو بالأحرى هم يسمحون للغباء أن يسيطر عليهم.



من الملاحظ أن الأشخاص الذين يعيشون منعزلين نوعا ما لا يظهرون الغباء كثيرا بقدر الآخرين الذين يعيشون مع جماعات. لذلك من المرجح أن الغباء مشكلة اجتماعية أكثر مما هي مشكلة نفسية.

لقد أصبح من الواضح أن أي صعود قوي وسريع لسلطة، سواء سياسية أو دينية، سيؤدي لنشر الغباء بين جزء من الناس. إنها تبدو وكأنها قانون نفسي-اجتماعي: قوة فرد تحتاج لغباء الآخرين.

ليس ما يحصل هنا هو فشل مفاجئ لقدرة إنسانية ما، مثل الحكمة. بل على ما يبدو هو تأثير ساحق لصعود قوة السلطة، فيتم تجريد البشر من استقلالهم الذاتي، و بالتالي يتخلى الناس، بوعي كبير أو صغير، عن كونهم مستقلين ذاتيا.



لا يجوز أن تعمينا حقيقة كون الإنسان الغبي غالبا عنيد عن حقيقة أنه ليس مستقلا. فعند محاورة هذا الشخص يشعر المرء أنه ليس أمام شخص بعينه، بل أمام كلمات رنانة وشعارات جاذبة سيطرت كلية عليه.

هذا الشخص المأسور يبدو وكأنه تحت تأثير تعويذة ما، وعماء بصيرة، واستغلال سيء لكينونته كإنسان. وبذلك يصبح الإنسان الغبي أداة طائشة قادراً على ارتكاب الشر، وهو لا يدرك أنه شر.



ما يمكنه التغلب على الغباء هو فعل التحرير، وليس التوجيه والوعظ. وهنا يجب أن ندرك أن التحرر الداخلي الأصيل يصبح ممكنا فقط إذا سبقته عملية تحرر خارجي. وحتى يحصل ذلك يجب أن نتوقف عن محاولة إقناع الشخص الغبي.

توفي بونهوفر بسبب تورطه في مؤامرة ضد هتلر في 9 أبريل 1945 في معسكر اعتقال فلوسنبورج قبل أسبوعين فقط من تحرير الجنود الأمريكيين لذلك المعسكر.



قال بونهوفر: “لا ينبع الفعل من الأفكار، بل من الاستعداد لتحمل المسؤولية. الامتحان الحقيقي لأخلاقية مجتمع ما هو فيما سيتركه هذا المجتمع لأولاده.”

رجاء راجع المراجع المرفقة تحت الفيديو. حيث يمكنك العودة للنص الأصلي لبونهوفر “بعد 10 سنين”.
____
يمكنكم مشاهدة الفيديو المرافق لهذا المقال على هذا الرابط.

الاثنين، 17 أكتوبر 2022

التوافق الوطني ،زفة بدون عريس

ظل المكون العسكري في السلطة ومنذ عدة أشهر سابقات يدعو كافة القوى السياسية السودانية لجهة التواثق على وثيقة اتفاق وطني جامع، تفضي إلى تأسيس حكم ديمقراطي مستدام في السودان، تحقيقاً لرغبات كافة فعاليات الشعب السوداني التي ظلت في حالة تظاهر مستمر ورفض قاطع للمكون العسكري خلال الفترة الماضية، الأمر الذي إستدعى الفريق عبد الفتاح البرهان إلى الخروج على الملأ وإعلان زهده في الحكم، ودعا القوى السياسية للتوافق على تشكيل حكومة قومية خالية من العسكر، ليتم الإستهداء بها للإعداد لحكم مدني خالص للبلاد في المرحلة المقبلة، فضلاً عن الفضاء إلى تشكيل برلمان قومي يكون نواة لوضع الدستور الدائم للبلاد، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على هذه الدعوة،
ومن المعلوم أن البلاد الآن في أمس الحاجة إلى توافق سياسي عريض يجنبها التفكك والتشظي والانفلات الأمني خلال الفترة الراهنة، الأمر الذي يحتم على القوى السياسية، إن كانت حريصة بالفعل على وحدة وإستقرار وإستدامة السلام في السودان، الإسراع بالجلوس في مائدة مستديرة لمناقشة قضايا السلام والوحدة والاقتصاد والحريات والحقوق الأساسية والهوية، والعلاقات الخارجية، وقضايا الحكم وتنفيذ مخرجاته، خاصة معالجة الشأن الإقتصادي ومعاش الناس، على أن تكون هناك حكومة لمدة أربع سنوات، وأن يكون الشعب السوداني هو الضامن لتنفيذ المخرجات حتى يتحقق الإستقرار فى البلاد ولضمان تجنيب البلاد مآلات الإحتراب والنزاعات.


ولعل مجرد إنعقاد جلسات حوار وطني جامع خلال الفترة المقبلة وهو يضم أغلب القوى السياسية السودانية الداعية لتشكيل حكومة مدنية خالصة، والتي تتمثل في كل الأحزاب وأكثر من عشرين حركة مسلحة، يُعتبر خطوة متقدمة، بيد أنها تظل ناقصة، وتنطلق بقدمٍ مبتورة متكئة على عكازتين، بسبب غياب ال الرؤية والتوافق الوطني الذي كان من المفترض أن يكون هو نقطة الانطلاق لحوار وطني شامل يهدف لاتفاق يخرج البلاد من وهدتها السياسية الراهنة، وهو الأمر الذي لم يحدُث لأسباب تكاد تكون معلومة للكل، الأمر الذي سيجعل الحوار الذي دعا له البرهان القوى السياسية، كحوار الطرشان، ومماثلاً للمثل القائل، إنه (زفة بدون عريس).


وليس خافياً أن رفض الأحزاب السياسية للمشاركة في مثل هكذا حوار جاء لعدم إتفاقها مع القيادة العسكرية الممثلة في رئيس مجلس السياده، في توفير شروط إجرائية ضرورية، وتعتبرها مهمة لتهيئة الظروف المناسبة التي في ظلها يكون السودانيين مستعدين وقادرين لخلق وإدارة حوار وطني ناجح، والمتمثلة في أهمية وقف الخلافات السياسية دون شرط، وأن تلتزم الأطراف المعنية كافة بعنصر وقف المناكفات والتضاد السياسي فيما بينها، فضلاً عن غياب أسس الحوار الضروري في أي حوار وطني، والتي يجدر أن يتفق المتحاورون على مبادئه الجوهرية التي تتمثل في وضع غايات وأهداف للحوار تتضمن التأسيس الدستوري والسياسي والمجتمعي في إطار توافقي بين السودانيين ينشئ دولة عادلة وراشدة ونظاماً سياسياً فاعلاً، والتعاون والتناصر بين جميع السودانيين لتجاوز كافة أزمات السودان، والتوافق على دستور وتشريعات قانونية تكفل الحرية والحقوق والعدالة الإجتماعية، والاتفاق على نظم مستقلة لحماية تلك الحقوق، بجانب أهمية التواثق على التشريعات والإجراءات الضرورية لقيام انتخابات عادلة ونزيهة تحت أشراف مفوضية مستقلة سياسياً وماليا وإدارياً، على أن تتوافر لها مطلوبات لتهيئة المناخ وإجراءات بناء الثقة، والمتمثلة في أهمية كفالة الحريات السياسية، والتأمين الكامل على حرية التعبير والنشر، وتجنب خطاب الكراهية والتراشق الإعلامى بين أطراف الحوار، ووضع الضمانات اللازمة للسلامة الشخصية لحملة السلاح الذين لم يوقعوا على اتفاق جوبا للانخراط فى الحوار مع وقف إطلاق نار شامل بترتيبات أمنية كاملة، تلك إذن هي نقاط الخلاف والإختلاف بين المكون العسكري في السلطة والقوى السياسية.


ولعله ليس من سبيل إلى الوصول إلى حل مستدام لمشاكل السودان وأزماته إلا بإحداث التحول اللازم في المركز والبحث عن معالجة جديدة لجميع الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في السودان، تقوم على أساس المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وفصل الدين عن الدولة، ولإحداث أي تحول جوهري في إقترانه بإحلال السلام المستدام والتوافق الوطني والسياسي الشامل في السودان، لابد للحكومة وكافة القوى السياسية المعنية، بإنتهاج نهج شامل ومفارق للحلول الجزئية، ويقيناً فإن من الأهمية بمكان أن أي نهج يرمي إلى التوصل إلى إحلال السلام الدائم والتوافق السياسي في السودان سيقتضي بالضرورة عملية شعبية قوامها مشاركة الشعب، وليس مجرد التوصل إلى حل توفيقي بين اللاهثين وراء السلطة والجاه، وتسوية لا تتجاوز خدمة مصالح النخب السياسية وحدها، وسواء تعلق الأمر بعملية دستورية أم باتفاق سياسي، فإنه يجب أن تكون تلك العملية مشرعة الأبواب والنوافذ على الأحزاب السياسية قاطبةً، فضلاً عن أهمية وجود فترة حكم إنتقالية مؤقتة، توكل إليها مهمة عقد مؤتمر دستوري لجميع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في السودان، بهدف الإجابة عن السؤال كيف يحكم السودان، قبل من يحكم السودان.

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2022

متى يكون الثراء فاحشًا؟

حين يقدم أحدهم 40 مليار دولار لشراء موقع تويتر، وتفكك جسور لعبور يخت عملاق، وحين يزداد الأثرياء ثراء؛ يرى بعض الفلاسفة أن هناك مشكلة وشيء ما غير صحيح في النظام الاقتصادي. هل تقدم نظرية الشمولية الاقتصادية الحل؟

هل يمكن تحقيق المساواة ومكافحة الفقر من خلال وضع حد أعلى للثروة المسموح بامتلاكها؟ يقول كثيرون لا يمكنك أبدا أن تصبح غنيا جدا. لكن ازدياد عدم المساواة الاقتصادية، يدفع المزيد من الناس للاعتقاد أن ذلك غير صحيح، فبعض الناس فعلا فاحشو الثراء. وهناك قائمة طويلة بالاقتصاديين والفلاسفة والقادة السياسيين الذين تناولوا على مر القرون مسألة إعادة توزيع الثروة، وتم بناء أنظمة سياسة حول فكرة المساواة والمشاركة. بحسب d.w.


ما هي الشمولية الاقتصادية؟

الشمولية الاقتصادية هي مفهوم يقوم على أنه لا ينبغي أن يكون أحد فاحش الثراء، وتركز على أضرار ومخاطر وجود فاحشي الثراء. وعند مناقشة مسألة عدم المساواة، لا تركز على مشاكل الفقر أو زيادة عدد الفقراء؛ وإنما تركز على امتلاك الكثير.

وضع حد أعلى للثروة التي يمكن أن يملكها شخص واحد، ليس عقوبة، وإنما هو تشجيع لتغيرات إيجابية في النظام الاقتصادي وفي أحوال الناس بشكل عام من خلال التحسينات الاجتماعية. وإلى جانب ذلك فإن "فائض المال" في مرحلة ما لا يضيف مزيدا من الرفاهية والازدهار إلى الحياة، وفي معظم الحالات تكفي بضعة ملايين من الدولارات.

والشمولية الاقتصادية ليست اشتراكية ولا شيوعية ، ولا تمنع جمع الثروة أو الملكية الخاصة أو مستوى معين من اللامساواة الاجتماعية، وإنما تقول: امتلاك الكثير يكون كثيرا جدا أحيانا!

من أين أتت الفكرة؟ فكرة الشمولية الاقتصادية تعود بشكل رئيسي إلى إنغريد روبينز، وهي منظرة بلجيكية أستاذة في جامعة أوتريخت الهولندية، حيث تدرس في كلية الفلسفة وتركز في أبحاثها على قضايا الأخلاق والفلسفة السياسية والعدالة الاجتماعية.

وقد طرحت روبينز لأول مرة فكرة الشمولية الاقتصادية في مؤتمر عام 2012، لكن الأمر استغرق بضع سنوات حتى نشرت أول بحث أكاديمي عن الموضوع. ومنذ ذلك الحين تتحدث بلا كلل أو ملل عن الموضوع وتنشر أبحاثا وتحضر كتابا حول ذلك. وقد أثارت الفكرة ردود فعل متباينة حول العالم.

"في أوروبا وحسب خبرتي، فإن الجمهور يشارك العديد من الحجج المتعلقة بالشمولية الاقتصادية. لكن في الولايات المتحدة، فإن الفكرة بعيدة جدا عن النقاش العام السائد"، تقول روبينز لـ DW وتضيف "إن فكرة الحلم الأمريكي هي جزء من الثقافة الأمريكية التقليدية. والتي تقوم على أن كل الشخص ستكون لديه الفرصة ليصبح غنيا جدا، إذا ما أصبح فردا فقط".

إنغريد روبينز استاذة الفلسفة في جامعة أوتريخت الهولندية وصاحبة نظرية الشمولية الاقتصادية

إنغريد روبينز: الشمولية الاقتصادية تقوم على ركيزتين: حماية الديمقراطية أولا، ومعالجة الاحتياجات الملحة أو المشاكل العامة ثانيا.

توظيف جماعات الضغط ووسائل الإعلام!
إذن النظرية أكثر من مجرد إلقاء نظرة على اللامساواة في الدخل، فالأخلاق هي جوهر الشمولية. والسؤال: متى يكون من الضروري أخلاقيا التدخل في نظام اقتصاد السوق الحر من أجل صالح المجتمع ككل؟

هل يضيف الأثرياء شيئا ما إلى المجتمع من خلال الاستثمار في زيادة الإنتاج؟ أم أنهم مجرد مضاربين أو مستنزفين للأعمال التجارية أو للبلدان النامية بأكملها؟ هل فعلا 10 سيارات أفضل كثيرا من سيارتين؟

"يرفع البعض شعار: كل ملياردير فشلٌ سياسيٌ. أعتقد أن ذلك صحيح، ولكن حتى عندما يكون لدى بعض الأثرياء أقل بكثير من مليار، فإن ذلك إشكالي من الناحية الأخلاقية والسياسية" تقول روبينز. وتضيف بأن نظريتها حول الشمولية الاقتصادية تقوم على ركيزتين: حماية الديمقراطية أولا، ومعالجة الاحتياجات الملحة أو المشاكل العامة في المجتمع مثل تغير المناخ ثانيا.

بالنظر إلى اللامساواة السياسية، تخشى هذه الشمولية أن يؤدي ذلك إلى تقويض الديمقراطية. فالأثرياء يمكن أن يستخدموا أموالهم للتأثير على السياسيين وتوظيف جماعات الضغط لتمرير أجنداتهم من خلال القوانين. وإذا لم يجد ذلك نفعا، يمكنهم أن يؤثروا في الرأي العام من خلال امتلاكهم لوسائل الإعلام أو تمويل مراكز الأبحاث.

الثروة الطائلة تضر بالبيئة؟

الشمولية الاقتصادية تفترض أيضا أن توزيعا أكثر عدلا للثروة يمكن أن يؤدي إلى مزيد من المساواة في كل مجالات الحياة حول العالم، فيمكن أن تساعد في انتشال الناس من الفقر المدقع الذي يعيشون فيه.

"إذا كان لديك 10 ملايين، لن تضيف إلى حياتك مزيدا من الرفاهية والازدهار إذا امتلكت 100 ألف يورو أو دولار إضافية. ولكن إذا كنت عديم الثروة، فإن أي زيادة ستكون مهمة" وتعني جوعا أقل وعددا أقل من المنازل غير المدفأة وعددا أقل من الأطفال الفقراء، تقول روبينز.

والمسألة لا تتعلق بالمال فقط بالنسبة لأنصار نظرية الشمولية الاقتصادية، ويقولون إنالأثرياء يشكلون خطرا أكبر على البيئة، حيث يتركون بصمة كربونية كبيرة جدا. إذ أن "فاحشي الثراء يتسببون في تغير المناخ بشكل كبير، لأن حياتهم المادية أكثر وفرة واستثماراتهم ضارة بيئيا" تقول روبينز لـ DW، وتضيف "يمكن للمرء أن يحاجج ويقول بأنه سيكون من العدل استخدام أموالهم الفائضة لمعالجة أزمة المناخ، بدل السماح لهم ببناء ملاجئ أو فيلات فاخرة على أعالي الجبال للذهاب والاختباء هناك في حالة خروج تغير المناخ عن السيطرة واندلاع اضطرابات اجتماعية".

أخذ بعض هذه الثروات يمكن أن يساعد في التأقلم مع تغير المناخ، ويمكن للحكومات أن تستثمر هذه الأمواللحماية المواطنين من الظواهر المناخية القاسية. وفي نفس الوقت يمكن استخدامها في توسيع استخدام الطاقة المتجددة أو التقدم التقني.

رغم الانتقاد.. الأثرياء يزدادون ثراء!
بعض النقاد يرون أن الشمولية الاقتصادية لا تذهب بعيدا بما يكفي، ويرون أن الشركات يجب أن تخضع لإرشادات الشمولية. في حين هناك فلاسفة واقتصاديون يرفضون بشدة فكرة وضع حد للثروة. ولا يرون أن هناك حدا أخلاقيا للثروة المكتسبة أو الموروثة، ففرصة أن تصبح غنيا هي التي تدفع الشخص إلى المغامرة والابتكار والتغيير.

ويضيف هؤلاء الرافضون للشمولية، أن وضع حد للثروة لن ينهي عدم المساواة السياسية، كما أنه لا يمكن قياس الثروة بأي حال من الأحوال. وإن أفضل طريقة لتحقيق المزيد من المساواة هو اتباع نظام التصاعد الضريبي.

لكن ورغم كل ذلك فإن الأثرياء يزدادون ثراء. وقائمة المليارديرات لعام 2022 التي وضعتها مجلة فوربس أحصت 2668 مليارديرا حول العالم، بلغت قيمة مجموع ثرواتهم 12,7 تريليون دولار. وهو أقل بعض الشيء من العام السابق، حيث تسببت العديد من الأزمات العالمية في خسائر فادحة لبعضهم. ومع ذلك، فقد وجدت المجلة أن "أكثر من ألف ملياردير أصبحوا أغنى مما كانوا عليه قبل عام".


هل يمكن فعلاً وضع حد للثروة؟ 

ترى روبينز أن مشكلة العالم الحقيقية هي في تنفيذ أفكارها. أولا من المستحيل تقريبا الوصول إلى تعريف عالمي موحد للثراء الفاحش. ثانيا، حتى لو كان هناك تحديد للمبلغ، كيف يمكن للمرء أن يحصّل المبلغ الفائض أصلا؟ وهي تجد العزاء في الأسئلة التي يطرحها الفلاسفة وليس في مصادرة عقد من الألماس أو طائرة خاصة.

وتقول "الأفكار يمكن أن تغير التاريخ. بعضها تفعل ذلك وبعضها لا تفعل". وربما لا تحظى أفكارها بالشعبية في بعض المناطق، ولكنها على الأقل تدفع الناس للتفكير في عدم المساواة. وتختم روبينز حديثها مع DW بالقول "إن دوري كفيلسوفة وباحثة هو تقديم هذه الحجج، ولكن الأمر يعود للمواطنين والقادة الاقتصاديين والسياسيين والدينيين لاتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق مثل هذا العالم".

الجمعة، 7 أكتوبر 2022

ظربان الإنقاذ وأحلام العودة

هذه من الأحلام بل (الهلاويس) التي تضرب خيال الفلول وهي مما لا يقوى عليها الانقلاب أمام الإرادة الشعبية الغلابة..ولا يقوى عليها جماعة الإنقاذيين كلهم (السافرين منهم واللابدين)..! إنها أضغاث أحلام بعودة (زعيط ومعيط) من مجرمي الإنقاذ ولصوصها لحكم البلاد مرة أخرى..!
هذه الأرض الطيبة لن تحتمل بعد كل الذي جرى وطأة هؤلاء القوم الذين يحلمون بالعودة للسلطة وممارسة ضلالهم القديم..! ..يتحدث الفلول عن عودة قوش وكرتي وإيلا وفقيه اسطنبول الذي (خم الدولارات واليوروهات) التي أرسلها له المخلوع وحملها مع فضيحة (استلام المال المسروق) وأموال السحت من بضاعة الشعوذة والضلال الكاسدة والفتاوي المضروبة وفر بها إلى اسطنبول يعيش في قصور ومنتجعات الدولة العلمانية الحلوة..وامتنع هناك من حمل راية الشريعة المدغمسة وكأنها دعوة لا تصلح إلا في السودان..فما الذي يمنعه من رفع رايات الدعوة في تركيا ذات البارات والمقاصف..!
يمكن لهم أن يعيشوا ويأكلوا ويشربوا ما لذ لهم وأن تتلوى مصارينهم في إخراج ما يأكلون..ولكن لماذا يريدون العودة وركوب السلطة مرة أخرى والتحكّم في رقاب العباد..؟! لن يقوى البرهان وانقلابه على إرجاعهم..ولن يقوى جنرالات لجنة المخلوع الأمنية على إعادة هؤلاء اللصوص القتلة إلا أن يفنى اخرر رجل حر وامرأة حرة وآخر طفل حر في هذا الوطن الذي ركبوا على رأسه ثلاثين عاماً وخرّبوا أمصاره ونهبوا مرافقه وادخلوه في غيابات العصور المظلمة فماذا يريدون فوق ذلك..؟! وهل تركوا مرفقاً لم ينهبوه حتى يعودوا لصفصفته و(سفسفته) مرة أخرى..؟!
هذه (بالونات فاسدة الهواء) يطلقها الفلول بين حين وآخر.. ! وإذا كان هارب اسطنبول وأولياء نعمته يريدون العودة فلماذا هربوا بعد الثورة وتركوا قادتهم الحرامية الكبار يرسفون في السجون..؟! وإذا أراد الانقلاب أن يطلق هؤلاء اللصوص القتلة من سجونهم فليفعل…ولن يخيف ذلك الثورة والثوار..فمثل هؤلاء المجرمين لن يستطيعوا أن يكسروا عزيمة شعب سلاحه المقاومة السلمية والوعي الساطع والوفاء لشهدائه..أصحاب الوصايا الغالية الذين صعدت أرواحهم ووجوههم تشع بالابتسام وهم يرفعون علامات التعاهد بالحفاظ على الوطن وعلى عهد الحرية والعدالة والسلام..!!
لماذا هرب (قوش) من الأساس حتى يحدثونا عن عودته تحت جناح الانقلاب..؟! وما الذي يستطيع (ايلا) أن يفعله عندما كان رئيساً لحكومة الإنقاذ..وعندما أحال الولاية التي بعثوه إليها إلى (بئر معطلة وقصر مشيد) وعندما أخفى الفساد الأكبر بشوارع زلط لا تؤكل ولا تُشرب..وترك كل مدن و الولاية وأحيائها يأكلها السل..ولا يجد أهلها شربة ماء أو جرعة دواء..!! إن الفساد الذي شهدته هذه الولاية لأكبر من تحصيه الصحائف وقد كان أباطرة هذا الفساد ينهبون المليارات ويجتهدون في تزييف جثة الفساد المنتفخة المتعفنة بمسوح من إشارات مرور ضوئية وطلاء واجهات وإقامة كازينوهات…وولاية الشرق هي من أتعس ولايات الدنيا وقد أنهكتها معاناة الفقر والجوع والمرض وانعدام الغذاء والكساء والمسكن والعلاج وأسباب الحياة…ألا تبت أيدي من كانوا ولاتها في عهد التيه الأغبر..وحسبك بمن تلاحقه الاتهامات وأوامر القبض التي يقوم الانقلاب بتعطيلها وفق برنامجه الرسمي المُعلن لحماي اللصوص..!!
بل حسبكم بواحد من الولاة رصدت الدوائر أملاكه التي لم يرثها من أبيه فوجدتها كما يلي: مئات قطع الأراضي والعقارات بمدينتين بالولاية/ قصور وفلل وعمائر بالقاهرة وشرم الشيخ والإمارات /عقارات وفلل في الخرطوم- الرياض والجريف غرب/ مصانع للطوب الحراري مع شركاء أتراك/ مجمّع لثلاجات التبريد/ مزرعة أبقار بالقرب من قرية سياحية مهجورة/ توكيلات للملاحة البحرية/ فندق يحمل صفة ملكية/ فندق أخر يحمل اسم سلسلة عالمية بالشراكة/ مصنع للحلويات والطحنية/ مصنع للثلج/ مصانع للأقفال والمزاليج في مدينة الثغر بشراكة تركية/ سيوبرماركت للذهب الخليجي ومشغولاته/ ورش لصيانة السيارات وخراطة قطع الغيار بجوار ميناء تاريخي/ مزرعة دواجن في احد هضاب الشرق/ قوارب للصيد/ لنشات ذات قاع زجاجي لسياحة الشُعب المرجانية/ مصنع للجلود..طبعاً هذا (بعض ما يملك وليس جميع ما يملك) عدا الأرصدة والحسابات البنكية العديدة بالعملات الحرة في عدة مصارف بالخارج..!! .والباب مفتوح لتفنيد هذه القائمة أو الدفاع عنها باعتبار أنها من كسب الحلال ووراثة الآباء وسلالة اللوردات..الله لا كسبكم..!

الاثنين، 3 أكتوبر 2022

واقع الثورة المفكك والمرتبك

الكتلة الثورية الحالية تحتاج الى معجزة من أجل أن تتوحد ومن أجل ان تقنع الشعب من أقصاه إلى أقصاه بالثورة الشاملة لاقتلاع الانقلاب، على قرار ما حدث في ثورة ديسمبر.

للعلم، الشعوب تهب تلقائيًا، الانتفاضة تشتعل بغتة، بلا سابق إنذار وبلا تخطيط ولا (تحريش)، ولها شروط موضوعية كثيرة أهمها الانهيار الاقتصادي وفقدان الأمل في المستقبل.

شروط الانتفاضة مكتملة الآن ، فالواقع الاقتصادي وصل مرحلة أعمق من الانهيار، والأمل في المستقبل في ظل حكم الانقلاب الحالي هو شيء ميؤوس، بل مستحيل.

فشل قادة لهم وزنهم في انتشال البلاد من وهدتها، فشل المحجوب والازهري والسيدين والترابي والصادق المهدي، فهل ينجح في ذلك البرهان وحميدتي وجبريل وأردول!!!

فلنكن موضوعيين، حكومة حمدوك التي توفر لها طاقم اقتصادي ممتاز بقيادة الدكتور الاقتصادي الالمعي إبراهيم البدوي لم يكتب لها النجاح العاجل فهل ينجح في ذلك جبريل ابراهيم؟!!!

الا يبدو الموقف معقدا ومرتبكا في ظل غياب الرؤية الموحدة للثوار التي تحرج الانقلاب وتدفعه لتسليم البلد، في ظل انشغال او تشاغل الجماهير بالآمها الخاصة واوجاعها التي زادتها الازمة الاقتصادية!!!

هل نتوقع من شباب لجان المقاومة شيئا أكبر مما توقعناه من تجمع المهنيين؟! فشل التجمع وهو بعض أفراد وبعض كيانات من المحافظة على الوحدة، فهل نطمع ان تحافظ لجان المقاومة التي تضم فسيفساء من كل حدب وصوب على وحدة الثورة ومشروع التغيير؟!! ألا يبدو اننا نبالغ في الأمل ؟

ليس من وظائف الأحزاب السياسية إشعال الثورات عبر قيادة الجماهير في الطرقات، بل وظيفتها الأساسية تعرية الانقلاب سياسيًا وفضحه أمام الجماهير، وهذا أيضا ما يفعله الانقلاب بصورة مضادة حيث يسعى لفضح الاحزاب السياسية أمام الجماهير وفك ارتباطها بالشارع وضعضعة الثقة بها، وهو ما ظل يفعله البشير طيلة الثلاثين سنة ومن قبله النميري، فكل دكتاتور يهمه بالمقام الأول إسكات صوت السياسيين. 

لكن هل يسكت الدكتاتور صوت لجان المقاومة؟ وهي لجان بلا معايير منضبطة كالاحزاب وبلا تاريخ معروف ومبذول، وبلا برنامج عمل؟! كلا ولا، بل يمد لهم ويخترقهم كما يفعل بجمعيات الطلاب وتحالفاتهم السياسية الغضة. 

نحن في واقع مرتبك، تمارس فيه السياسة بواسطة العسكر والمنظومات الشعبية، ويطلب فيه من الاحزاب السياسية أن تسكت وتبتعد عن السياسة!! فهل هذه معادلة قادرة على انتشال ازمة الحكم في الوطن من الحضيض إلى القمة؟؟!

والدليل على ارتباك الواقع في اذهان الكثيرين من الثوار، ان البعض منهم كان يتوقع ان تحكم محاكم الانقلاب بعطبرة بإعدام قتلة الشهيد طارق محمد!! وظهرت عليهم الصدمة حين تمت تبرئة القتلة!!

ليس مستبعدا ان يهب الشعب في اي لحظة ويفور التنور ويندلع طوفان الجماهير، ولكنه لن يهب استجابة للاحزاب ولا لجان المقاومة، هو يهب من تلقاء وصوله للحظة الحرجة التي لم يعد فيها امامه الا الشارع لتحقيق التغيير، فهل ستنتظر كيانات الثوار هذه اللحظة مفككه ومرتبكة، ام يتم تعديل الواقع وترتيب العمل السياسي، وترك ما للاحزاب للاحزاب وما للجان للجان؟!!

الأحد، 2 أكتوبر 2022

جيم إبراهيم وجباياته

منذ أن تقلد الدكتور جبريل ابراهيم منصب وزارة المالية في حكومة الإنقلاب العسكري، والإقتصاد السوداني في حالة يرثى لها اقتصاد بلا موازنة وبلا خطة ، وليس للوزير إنجاز يذكر سوى جمع المزيد من الأموال التي يدفعها المواطن مُكرها ، يقابل هذا الدفع المستمر تدني في الأجور، وفوضي إقتصادية واضحة فما يذهب من جيب المواطن لايعود له بفائدة او مصلحة. 

فالوزير منذ ان (وضع يده ) على وزارة المالية لم يصدر قراراً واحدا في صالح المواطن ، ولا حتى إنتاب المواطن يوما احساس وشعور ان هذا القرار يصب في مصلحته عاجلا او آجلا ليسهم في عملية تحسين واقعه المعيشي المتأزم! 

ففي عهد جبريل كل القرارات تخرج بلغة واحدة هي لغة (الزيادات ) لا غيرها زيادة الدولار الجمركي زيادة اسعار الوقود زيادة اسعار الكهرباء زيادة رسوم النفايات ، زيادة تعرفة المياه زيادة أسعار السلع الاستهلاكية. 

فوزير المالية لا يوجد لديه اي حلول اقتصادية فالرجل بالرغم من تخصصه في مجال الإقتصاد إلا انه يدور فقط في فلك الحلول العقيمة التي تعمل على تكاثر الأزمات واستنساخها ، يقف عاجزاً في دولة أصابها الشلل الكامل ، لذلك يبحث جبريل ودولة البرهان عن علاج يضمن لهم التعايش مع المرض لا التعافي منه لذلك اصبح المواطن لايعرف من جيم جبريل إلا جباياته. 

وبالامس فرضت وزارة المالية زيادة خيالية على رسوم عبور المركبات بنسبة بلغت 600%

وجبريل لاتتم محاسبته على هذا الفشل لأنه وزير يشغل منصب الوزارة بطريقة غريبة وفريدة ونادرة لاتشبه حالة أي حكومة في العالم ، فالرجل بما ان لا احد يستطيع ان يبعده من منصبه بالتالي لايوجد احد يحاسبه على إخفاقاته ، وزير فشل في ان يضع له بصمة واضحة في وزارة المالية، لانه لم ينجح في وضع خطة إسعافية ولا خطة بعيدة المدي ، فكل ماقام به هو انه (جيد جدا) في تنفيذ عملية الدمار الاقتصادي لهذا البلد. 

وقادة الحركات المسلحة فشلوا في كل المهام والوظائف التي أسندت اليهم وهم يعلمون انهم فاشلون لذلك كل ماوجه لهم صوت النقد والتقريع طفقوا يتباكون خلف حائط العنصرية والتمييز حتى لاتقترب من كشف فشلهم وفسادهم ، وتناولوا قُرصاً من أقراص الإحتيال السياسي لينالوا من منتقديهم ومعارضيهم ، وهم في ذلك من الجاهلين والمكابرين الذين لا يرون في أنفسهم إلا (مانديلا) زمانهم !!

هذه الحيلة اصبحت مكشوفة مهما عملت الحركات بجد على إعلاء صوت الخطاب العنصري البغيض والمرفوض وجعلته يتصدر منصات السوشيال ميديا ، هذا لن يحميها من سهام النقد والتوبيخ فكل من تقلد منصب حكومي واخفق ستطوله سهام النقد والمحاسبة ان كان من( شندي او دارفور ) كفوا عن العزف على هذه النغمة المشروخة ، كونوا رجال دولة ليوم واحد ، وان فشلتم ستذهبوا انتم واتفاقية سلامكم، لاكبير على على هذا الشعب ، وماعاش من يجعل جراح الوطن تكبر وتتسع .

طيف أخير:

تنتهي صلاحية الحاكم عندما لا يُحترَم شعبه. 

السبت، 1 أكتوبر 2022

المواطن السوداني ،فاقد سوائل


(1)
 كنت سأتقبل تلك (الإضرابات) عن العمل التي تجتاح معظم المؤسسات الخدمية والمدنية في السودان هذه الايام من أجل هدف مشروع ومنطقي وهو زيادة المرتبات ، حيث يتصدر تلك الاضرابات اضراب العاملين في الهيئة القومية للكهرباء مع اضرابات في قطاعات حيوية وصحية اخرى تشمل السكة الحديد وأطباء الامتياز وبعض الوزارات في الحكومة نفسها، لو كانت هذه الاضرابات من اجل هدف وطني (قومي) واحد، ومن اجل اعادة  (السلطة المدنية) وإنهاء الحكم العسكري في البلاد وليس من اجل زيادة المرتبات.

الأزمة الحقيقية في الحكم العسكري وليس في ضعف المرتبات.. يمكن ان تزيد المرتبات وتزيد في اليوم التالي الأسعار لتبلع كل الزيادات التي منحت للموظفين.
زيادات السوق سوف تكون اضعاف الزيادات التي ستحدث في المرتبات.
ليس من مصلحة الموظفين في السودان أن يدخلوا في سباق مع التجار .. هذا أمر لا طاقة لهم به. 
كان يمكن أن نقبل الاضرابات من اجل زيادة المرتبات لو ان هذا الأمر نفسه تم بصورة مدروسة لا تؤدي الى انعكاسات سلبية على الاقتصاد السوداني.. لأن صرف موظف في الكهرباء وان كان في اعلى درجة لمرتب يصل لقرابة (2) مليار جنيه (بالقديم) سوف يؤدي الى نتائج كارثية وسيتأثر بذلك عامل الدرداقة وبائعة الشاي وسيؤدي ذلك حتماً لانهيار اقتصادي تام تتبعه اضرابات في قطاعات ومؤسسات اخرى لزيادة المرتبات بنفس الطريقة التى تمت في الكهرباء.
الحل لإنهاء الازمة الاقتصادية للمواطن السوداني او للموظف تحديداً لن يكون في زيادة المرتب … الاوضاع الاقتصادية المنهارة لا تتم معالجتها بهذه الصورة .. هذه الطريقة سوف تؤدي الى المزيد من الانهيار.
لا بد من تغيير السياسة الاقتصادية والقاعدة بأكملها بدلاً من تلك النظرة الاحادية التى لا يعنيها العامة في شيء.
(2)
تضغط الحكومة على المواطن الذي جعلته عبارة عن (آلة) جباية ..وهى تفرض عليه الكثير من الرسوم وتقدم له الخدمات الاساسية بأسعار خرافية من اجل تسيير الدولة لنشاطها المادي ولميزانيتها العامة.
المواطن مضغوط من الحكومة وهي تحلبه حلباً وتعصره عصراً بصورة جعلته (فاقد سوائل)، وكذلك المواطن مضغوط من السوق والتجار ويضغط الآن كذلك من مؤسسات الدولة الخدمية في الكهرباء والصحة والتعليم.
لقد دخلت امرأة النار في (هرة) .. فماذا عن الذين جعلوا (الشعب السوداني) في وضعية اسوأ من وضعية (الهرة) التى دخلت بسببها امرأة النار؟  ( عُذّبت امرأة في هرّة ، سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ؛ لا هي أطعمتها ، ولا سقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ).. انتم تقتلون الناس بالرصاص والغاز المسيل للدموع وبتوقف ماكينات غسيل الكلى وانعدام الادوية المنقذة للحياة .. تعذبون الشعب بقطوعات الكهرباء وزحمة المواصلات والحكم العسكري الخ ..
الشعب السوداني لا اطعمتموه ولا سقيتموه ولا وفرتم له الكهرباء ولا العلاج ولا مهدتم له سبل التعليم ولا تركتموه يأكل من خشاش الارض التى تستخرج منها الحكومة (الذهب).
المواطن السوداني يضرب من جميع الاتجاهات.. وما الاضراب الذي يحدث في الهيئة القومية للكهرباء إلّا مثال لضرب النار او الكهرباء الذي يتعرض له المواطن اذ رأت الهيئة القومية للكهرباء ان تحقق رغبة موظفيها في الكهرباء من خلال الضغط على المواطن (المسكين) بقطع التيار الكهربائي لمدة وصلت لـ (15) ساعة و (24) ساعة في بعض الاحياء من اجل اجبار الحكومة على زيادة المرتبات والتى سوف تزيدها الحكومة عن طريق الضغط على المواطن أيضاً بزيادات جديدة سوف تكون في تعرفة الكهرباء لسد الفجوة المالية التى سوف تحدثها زيادة المرتبات للعاملين في قطاع الكهرباء.
كل ذلك في النهاية سوف يكون على رقبة المواطن .. الحكومة لن تزيد المرتبات من جيبها سوف تزيدها من جيب المواطن فوزير المالية السوداني جبريل ابراهيم لا تتفتق عبقريته إلّا في استخراج المال من جيب المواطن السوداني المعدم.
(3)
السياسة المتبعة الآن من الحكومة ومن كل مؤسساتها وخدماتها الاساسية ومن السوق والتجار ايضاً هي سياسة (شد المواطن) من جميع الاطراف ومن كل الجهات.
المواطن السوداني مشدود من شعر رأسه ومن اقدامه ويديه وانفه وبطنه وظهره.. مشدود من الحكومة ومن التعليم ومن الصحة ومن الكهرباء ومن اتفاقية السلام .. كلهم يشدونه في سبيل ان يحصلوا على اقصى ما يمكن ان يكون من ذلك الشد.
المواطن السوداني حتى اولاده اصبح مشدوداً منهم.
يمارسون ابتزازاً رسمياً على المواطن.. حتى (السلام) الذي يحدث يبتزونه به ويخلصونه من حباب عينيه.
في الايام القادمة سوف تعم الاضرابات كل القطاعات .. هل تعلمون ان قطاع التجار في الكثير من مدن دخل في اضراب بسبب زيادة الضرائب؟ .. حتى التجار اضربوا .. ولكنهم يضربون من اجل مصالحهم الخاصة لا من اجل مصلحة الوطن… من اجل المزيد من الارباح.
 هذا وضع لن تستقيم معه الدولة.
 الدولة في طريقها للانهيار التام.
على الحكومة ان تعجل بالسلطة المدنية فهي السبيل الوحيد للخلاص من هذا الانهيار الشامل في البلاد.
لا بد من حلول جذرية … زيادة المرتب لن تكون حلاً .. ولن تصبح خلاصاً.
بعد الزيادات التى سوف تحدث في المرتبات رطل اللبن سوف يصبح بـ (5) مليون جنيه وسوف يصبح سعر الرغيفة بمليون جنيه .. وسوف تجد الحكومة نفسها مجبرة على ان تحول مصانع الحلويات والطحنية والصلصة وأكياس البلاستيك والدكوة الى مصانع للعملة السودانية لمجابهة الاحتياجات المالية الجديدة للدولة الناتجة عن تلك الزيادات.
(4)
بغم.. 
التفلتات التى تشهدها البلاد في الفترة الاخيرة ليست هي تفلتات امنية فقط ، هذا امر مقدور عليه التفلتات الاخطر هي التفلتات التى تحدث في الحكومة وفي الكهرباء وفي السكة الحديد وفي الحياة بصورة عامة.
نحن نهاجم (9) طويلة وهنالك (9) اطول.
نحن نطعن في الظل ونترك الفيل.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

مأساة لا يمكن تجاهلها

 تعدي الجيش على النساء في الشارع يعتبر تعدي الجيش على النساء في الشارع ظاهرة مروعة تتسبب في تعرض النساء للعنف والاعتداءات الجسدية والنفسية. ...