جادل ديتريخ بونهوفر بأن الأغبياء أخطر من الأشرار. هذا لأنه بينما يمكننا الاحتجاج ضد الأشرار أو محاربتهم، فنحن عزّل أمام الأغبياء – فالعقلانية تجابه آذاناً ميتة. قمنا بتحرير نص بونهوفر لهذا الفيديو مع بعض التعديل البسيط، لكي يخدم أي مجتمع حر في التحذير مما يمكن أن يحدث عندما يكتسب بعض الأشخاص قدرًا كبيرًا من القوة.
المقال:
في أكثر فترات ألمانيا ظلامية بعد الحرب العالمية الأولى وببداية عقد الثلاثينات حين انتشرت الفوضى والفقر، وفي الوقت الذي ألقى به الغوغاء المُحرَّضون الحجارة على المحلات التجارية، واعتدوا على النساء والأطفال الأبرياء أمام الملأ، بدأ ديتريخ بونهوفر، القس الألماني الشاب، الكلام ضد هذه الفظائع.
وبعد سنوات من النضال لتغيير آراء الناس، عاد بونهوفر ذات مساء إلى بيته، ليخبره أباه أن شخصين ينتظرانه. لقد كانا من الغيستابو الألماني، الذراع البوليسية الحديدية لنظام النازية في ذلك الوقت. فتم اعتقال بونهوفر عام 1943.
في السجن بدأ بونهوفر يفكر كيف تحول بلده من بلد المفكرين والشعراء إلى يد مجموعة من الجبناء والمحتالين والمجرمين. وقد خلص بالنهاية إلى أن الجذر الحقيقي للمشكلة لم يكن الرغبة بممارسة الشر بل كان الغباء.
رسائل بونهوفر
في رسائله الشهيرة من السجن قال بونهوفر إن الغباء عدو أخطر بكثير على الخير من الرغبة بممارسة الشر، لأنه “بينما يمكن للمرء أن يحتج على الشر، أن يفضحه، أن يمنع حدوثه؛ لكن أمام الغباء فنحن عزَّل بلا سلاح. فلا الاحتجاجات ولا استخدام القوة يحقق أي شيء هنا. العقلانية تصطدم بآذان صماء.”
عندما تناقض الحقائق الأحكام مسبقة الصنع عند الشخص الغبي، فلن يتم تصديقها. وعندما لا يمكن دحض هذه الحقائق يجري رميها جانبا بادعاء أنها غير منطقية وظرفية. في كامل هذه العملية يشعر الشخص الغبي بالرضا عن نفسه، لكنه يكون أيضا سريع الغضب، بل وخطيراً.
لهذا السبب عند التعامل مع شخص غبي يجب توخي الحذر أكثر منه عند التعامل مع شخص يريد الشر. إن أردنا معرفة كيف نتغلب على الغباء، فعلينا أن نحاول فهم طبيعة الغباء.
من المؤكد أن الغباء بجوهره ليس عيبا فكريا بل هو عيب أخلاقي. هناك كائنات بشرية يتمتعون بمرونة فكرية لكنهم أغبياء، وهناك آخرون يبدون مملين فكريا، لكنهم ليسوا أغبياء.
الانطباع العام هو أن الغباء ليس عيبا فطرياً أو خَلقياً، لكن في ظروف معينة يتم جعل الناس أغبياء، أو بالأحرى هم يسمحون للغباء أن يسيطر عليهم.
من الملاحظ أن الأشخاص الذين يعيشون منعزلين نوعا ما لا يظهرون الغباء كثيرا بقدر الآخرين الذين يعيشون مع جماعات. لذلك من المرجح أن الغباء مشكلة اجتماعية أكثر مما هي مشكلة نفسية.
لقد أصبح من الواضح أن أي صعود قوي وسريع لسلطة، سواء سياسية أو دينية، سيؤدي لنشر الغباء بين جزء من الناس. إنها تبدو وكأنها قانون نفسي-اجتماعي: قوة فرد تحتاج لغباء الآخرين.
ليس ما يحصل هنا هو فشل مفاجئ لقدرة إنسانية ما، مثل الحكمة. بل على ما يبدو هو تأثير ساحق لصعود قوة السلطة، فيتم تجريد البشر من استقلالهم الذاتي، و بالتالي يتخلى الناس، بوعي كبير أو صغير، عن كونهم مستقلين ذاتيا.
لا يجوز أن تعمينا حقيقة كون الإنسان الغبي غالبا عنيد عن حقيقة أنه ليس مستقلا. فعند محاورة هذا الشخص يشعر المرء أنه ليس أمام شخص بعينه، بل أمام كلمات رنانة وشعارات جاذبة سيطرت كلية عليه.
هذا الشخص المأسور يبدو وكأنه تحت تأثير تعويذة ما، وعماء بصيرة، واستغلال سيء لكينونته كإنسان. وبذلك يصبح الإنسان الغبي أداة طائشة قادراً على ارتكاب الشر، وهو لا يدرك أنه شر.
ما يمكنه التغلب على الغباء هو فعل التحرير، وليس التوجيه والوعظ. وهنا يجب أن ندرك أن التحرر الداخلي الأصيل يصبح ممكنا فقط إذا سبقته عملية تحرر خارجي. وحتى يحصل ذلك يجب أن نتوقف عن محاولة إقناع الشخص الغبي.
توفي بونهوفر بسبب تورطه في مؤامرة ضد هتلر في 9 أبريل 1945 في معسكر اعتقال فلوسنبورج قبل أسبوعين فقط من تحرير الجنود الأمريكيين لذلك المعسكر.
قال بونهوفر: “لا ينبع الفعل من الأفكار، بل من الاستعداد لتحمل المسؤولية. الامتحان الحقيقي لأخلاقية مجتمع ما هو فيما سيتركه هذا المجتمع لأولاده.”
رجاء راجع المراجع المرفقة تحت الفيديو. حيث يمكنك العودة للنص الأصلي لبونهوفر “بعد 10 سنين”.
____
يمكنكم مشاهدة الفيديو المرافق لهذا المقال على هذا الرابط.