المتأمل للمناورات التي تتم في دهاليز التسوية القائمة الآن سيرى ان العقد أمام اكتمالها تكمن في ثلاث نقاط اساسية. الأولى هي مبدأ المحاسبة والقصاص لكل مسئول عن الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب السوداني ابتداء من جريمة فض الاعتصام مرورا بالقتل الممنهج للثوار بعد انقلاب 25 أكتوبر انتهاء بالإخفاء والاعتقال القسري والذي لم يتوقف حتى اليوم . والثانية هي تفكيك نظام التمكين البائد والذي شكل احدي اكبر العقبات في وجه انتصار الثورة وتحقيق شعاراتها وتقوية الثورة المضادة.والنقطة الثالثة هو عودة الجيش للثكنات بكامل عدته وعتاده بعد اعادته لكل المؤسسات الاقتصادية التي يديرها تحت مظلته إلى خزينة الدولة. مع العلم التام أن هذه النقاط الثلاث مرتبطة ببعضها البعض ارتباط جدلي الا ان النقطة الاولى وهي ضمان سلامة الانقلابين يعد بمثابة العقدة في المنشار. وجميعنا طالعنا بيان منظمة أسر الشهداء في يوم 11نوفمبر والذي أعلنوا فيه رفضهم التام لأي مساومة علي دم الشهداء ولاي تسوية تقدم ضمان بعدم المحاسبة لمرتكبي جرائم القتل والتنكيل.ولعلم الانقلابيين التام أن مبدأ المحاسبة والقصاص يمثل أهم مطالب الثورة نجدهم يفقدون الأمل يوما بعد يوم ويظهر ذلك في مناوراتهم الفطيرة التي لا تقنع كائنا من كان، ولكنه نهج العسس المتأسلمين في التعامل مع هذا الشعب الفطن القوي.
أما فيما يتعلق بتفكيك دولة التمكين فدعوني استلف بعض ما كتبته الكاتبة الاشتراكية الانجليزية “ان ألكسندر ” في مقالها الرائع (اقتناص زمن الثورة) حيث كتبت”ان التقدم الذي سيتم إحرازه سيعتمد على توسيع وتعميق الثورة وخاصة فيما يتعلق بتفكيك النظام القديم، وهنا تكمن معضلة ضخمة تكاد تكون اكبر العوائق بما لايقاس في سبيل إحقاق شعارات الثورة وهي تفكيك الدولة التمكينية” انتهى الاقتباس. ولا يخفي علي أحد أن أكبر المأخذ علي الحكومة الانتقالية كان هو وتراخيها في تفكيك دولة التمكين والتعامل مع هذا الواجب بشئ من المثالية ( اذا اردنا إحسان الظن) والتي اعتقدت انها ستعتمد على مؤسسات الانتقال الوليدة للقيام بهذا الواجب في الوقت الذي كانت فيه الاجهزة العدلية ومفاصل الخدمة المدنية بالكامل تحت سيطرة دولة التمكين البائدة تحت نظر وحماية العسكر. بالنظر لتحليل الكسندر المبني على أعمال كارل ماركس ولينين؛ طرحت إن السؤال التالي ” هل يمكن للحركات الجماهيرية ان تجبر الجيش والأجهزة الأمنية القائمة على الالتزام بدورها المرسوم لها في المجتمع؟” نفس الجيش الذي استخدمته الدكتاتورية كألة قمع وقامت بأدلجته تبعا لخطها ؟ اقترحت ان خطا مختلفا تماما وهو تحطيم الالة البيروقراطية تماما وليس تشكيلها أو المناورة معها من الداخل هو الخط الذي يجب اتباعه.واستندت هنا على الإرث اللينيني الثوري والذي هو عكس رؤي من كان يأمل أن يتم ترويض مؤسسات الدولة من خلال الثورة وإصلاحها من الداخل. ويعزي ذلك بالضرورة “لاستحالة التوفيق بين المصالح والعداوات الطبقية”.
الفخ الذي وقعت فيه قوي التسوية هو اعتقادها امكانية الوصول لاتفاق مع العسكر ونسيت انه ومع تناقض المصالح وتضاربها والخوف من المحاسبة سيظل البرهان وبقية الانقلابين يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى في محاولة لكسب مزيد من الوقت لإيجاد مخرج لانقلابهم الذي افشلته وقفة وصمود الشارع السوداني ممثل في تروس كنداكات الثورة.
لذا من الأفضل الوصول والان لصيغة وحدة بشروط الشارع فقط لا بشروط المساومين والانقلابين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق