يكشف واقعنا المرتبك والمحيِّر الآن أننا عالقون تماماً في محنة سياسية متطاولة وشديدة التعقيد يصعُب التداوي والتعافي منها في المنظور القريب، ونخشى أن تكون مقصودة لذاتها، فكل الدلائل تشير إلى أن فتلات حبكتها ليست من نسج أيدينا وحدنا، وإنما تدخَّلت في صناعتها بمهنية وحرفية عالية أيدٍ خارجية خفيَّة ناعمة، تتمتع بخبرات ممتدة في خلخلة أي تجارب حُكم تتحسَّب إزعاجها حال ثباتها، لذا لا يمكن لأي أحد أن يُماري في أن اضطراب المشهد في ساحتنا السياسية الداخلية ليس سوى برمجة حاسوبية مُتقنة ومُوجَّهة لإعاقة جموحنا، ولتعطيل طموحنا لبناء دولة قويَّة مستقرة اقتصاديًّا، وناهضة عسكريًّا، ومشاكسة أيدولوجيًّا، ومؤثرة ثقافيًّا وسياسيًّا على محيطها الإفريقي والعربي، وقد تمثل (طنيناً) لدول متصارعة ومتهافتة على موارد القارة السوداء وثرواتها الزراعية والمعدنية والنفطية، فضلاً عن موقعها الإستراتيجي الذي يُعزِّز تفوق أحد المتنافسين عسكريًّا في منطقة ملتهبة، ويدعم جهود السيطرة على حركة التجارة العالمية.
وإلا فليدُلُّنا مستنكفو نظرية المؤامرة على دلالات ومعاني ما حفلت به مختلف المواقع الإسفيرية حول ما نشرته مجلة (ميلتري ووتش) عن الضغوط العنيفة التي تمارسها العواصم الغربية لتجريد القوات المسلحة السودانية من أصولها الصناعية، ويجيبوا على السؤال: لماذا حُذف موقع المبيعات الخارجية لمنظومة الصناعات الدفاعية من شبكة الإنترنت؟ ومقارنة ذلك بالأصوات العالية المنادية الآن تباعاً بتفكيك القوات المسلحة، وتغليف هذا النداء النَّكِر أحياناً بمفردات أكثر رقَّة ومداراة وتحوُّطاً: إعادة هيكلة الجيش؟! قد يلحق الاتهام بالغلو والشطط كل من يجنح إلى الربط بين ما نشرته المجلة المشار إليها ودعاة التفكيك، ودمغهم بتهمة العمالة والخيانة؛ لكن لا شطط ولا غلو في هذا الاستنتاج الذي يتأكَّد ويتعزَّز بتزامن المناداة الداخلية بإعادة الهيكلة مع فضح مساعي الضغوط لتجريد جيشنا من أصوله الصناعية التي تُشكِّل أُسَّ قوته ومنعته، ولإضعاف عقيدته القتالية.
كل دول العالم تحترم وتدعم جيوشها، ورخَّصت لها إنشاء مصانع حربية ضخمة ومتطورة صناعيَّاً، وتنتج أحدث الأسلحة المزوَّدة بتقنيات عالية جدًّاً ضمانًا لتفوقها برًّا وبحراً وجوًّا. أما الدول المستضعفة فممنوعة منعاً باتًّاً من تطوير أي صناعات قتالية حتى صناعة (السيوف والسكاكين والنبال)، وإلا ستُحارَب في داخلها بأبنائها الذين يتماهون مع الضغط الخارجي جهلاً أو خوراً وذلَّة، أو عمالة وخيانة.
قواتنا المسلحة على وعي وإدراك ودراية تامة بدورها الوطني، وبما يُحاك ضدها على موائد الغرف المظلمة، ولا تخفى عليها محاولات تأليب عسكر على عسكر، ولن تتهاون مع الساعين إلى إضعافها لتبقى مهيضة الجناح لا حول لها ولا قوة، فكفُّوا أذاكم عنها، عالجوا جراحكم قبل جراحها، وغذُّوا مشاعركم الوطنية قبل مشاعرها، فهي ليست بحاجة إلى (حصص) ودروس عسكرية وسياسية ووطنية، وهذه السهام المسمومة سترتد على نحور رُماتها بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق